في المقابل فان تاريخ الجنسية عند الغرب يرجع الى أكثر من 2500 عام، فاليونانيون منحوها لبعض مواطنيهم وبعدهم استخدمها الرومانيون ومنحوها للنخبة من الرجال فقط فقد كانت وثيقة شرفية للنخبة تمنح للتكريم ولتمييز بعض المواطنين على اخرين، فالجنسية في ذاك الزمان تختلف عنها في زماننا هذا، المرأة كانت مصنفة من فئة البدون في ذلك الوقت وكان عدد البدون أكثر من حملة الجنسية لأنها كانت عبارة عن رداء للتفاخر ولخلق الطبقية في المجتمع ولكنها تطورت عبر الزمن وتحولت الى وثيقة تحدد الحقوق والواجبات لكل مواطن، أي أنها تحولت الى وثيقة مساواة بين كل أطياف الوطن الواحد بعدما كانت للتفرقة وللطبقية، قد لا يكون هناك دليل على أن مفهوم الجنسية الحديث مستمد من الامبراطورية الرومانية أو اليونانية ولكن من المؤكد أن قانون الجنسية في الدول المتحضرة لم يعتمد على المبادئ نفسها التي اعتمدها الرومانيون واليونانيون، لأن القانون الحديث عندهم اذا تعارض مع العدالة والمساواة لا يصمد كثيرا ولا بد أن يتغير.

ولكن في قاعة عبد الله السالم لا تجد دائما المبادئ التي احتواها الدستور هي التي تحكم ضمير النائب، فالاسئلة التي يجب طرحها على النفس للتأكد من مدى اتفاق هذا القانون أو ذاك مع روح الدستور غالبا ما يغفل عنها النواب اما بقصد أو بغير قصد، هذه مسؤولية يتحملها الناخب أيضا فلا يلام النائب وحده عندما لا يعتقد بقيمة مبدأ العدالة والمساواة ولكن يقع اللوم أيضا على الناخب الذي أوصله الى كرسي البرلمان. أما المتضرر من قانون يتعارض مع هذه المبادئ للاسف لا يحق له أو لا توجد الالية التي تسمح له بالطعن بدستورية هذا القانون. كيف يقبل النواب بمقولة أن التجنيس هو حق سيادي للحكومة، أوليست الأمة هي مصدر السلطات واحدى هذه السلطات هي السلطة التنفيذية أي الحكومة؟ ولماذا تحتاج الحكومة الى صلاحيات مطلقة لا تخضع لمراجعة السلطة التشريعية أو القضائية؟ حكومات التجنيس السياسي فقط والتي تحتاج الى تغيير ديموغرافية البلد من وقت الى اخر هي التي تدعي بأن التجنيس حق سيادي ولا يخضع لقانون العدالة، أعتقد أن قانون الجنسية اعتمد وبشكل كامل على العادات والتقاليد وبطريقة بدائية عندما تمت صياغته ولم تؤخذ بعين الاعتبار لا العدالة ولا المساواة. فمن تقاليدنا أن أبناء الذكر من أبناء العائلة ولهذا يستحقون الجنسية أما أبناء الأنثى فهم غرباء لن تفيدهم لا جينات الأم ولا تربيتها، وبسبب تمسكنا بالعادات والتقاليد اعتقدنا أن الدولة عبارة عن عائلة أو قبيلة لا يحق لأحد أن ينتسب اليها الا من خلال الدم، وهذا لا يمكن تطبيقه في القرن الواحد والعشرين دون أن نضع أنفسنا في خانة الدول المتخلفة والمتعدية على حقوق الانسان.

من يعارض انصاف البدون لا يحتاج للحجة والمنطق لأنه مازال يجد من يسمع له ويصفق له، ولا يهتم ان تم تصنيفه في خانة العنصريين لأن العنصرية في الكويت ماتزال أسهمها مرتفعة في بورصة الكثيرين، أتمنى أن لا ينتظر البدون 2500 عام أخرى حتى يتخلصون من هذه العنصرية المقيتة كما انتظرت المرأة كل هذا الوقت وأتمنى أن يتم اعادة صياغة قانون الجنسية الكويتي لكي يواكب التطور الانساني والحضاري لعصرنا هذا وليس لعصر الحضارة الرومانية أو اليونانية.

تاريخ النشر :