الكلاسيكيات تعتبر محور تراث وثقافة الشعوب، فالعمل الكلاسيكي ان كان مسرحية أو فيلما سينمائيا أو رواية أو مقطعا موسيقيا يعتبر انعكاسا حقيقيا لعمق التراث ومدى غناه وأصالته، ومن لم يشاهد شيئا من الاعمال الكلاسيكية للشعب لم يطلع على تراثه ولا على ثقافته حتى لو قضى عمره بالاقامة عندهم، من منطلق تثقيفي أكثر من أن يكون مجرد تسلية اخترت الفيلم الكلاسيكي المشهور «ذهب مع الريح» ليكون فيلم السهرة لي ولعائلتي الصغيرة في عطلة نهاية الاسبوع الماضية، وبعد محاولات من الضغط الممزوج بالحنان الأبوي والتشجيع المخلوط بالتهديد والوعيد، استطعت جعل ابني صامدا أمام شاشة التلفاز لمدة ثلاث ساعات ونصف وهي تعرض فلم من انتاج سنة 1939 وهو أمر ليس باليسير خاصة بعد مشاهدة فيلم «أفاتار» المعروض على شاشة الايماكس ثلاثية الأبعاد.
لماذا اخترت لهم هذا الفيلم دون غيره؟ ببساطة لأنه يحكي قصة أبطالها كلهم من الجنوب في أمريكا أيام الحرب الأهلية التي نشبت بين الشمال والجنوب، ولأن القصة تظهر معاناة الجنوبيين مع هذه الحرب التي جاءت بعد أن كانوا في قمة ازدهار الحضارة في ذلك الحين، وجاءت الحرب ودمرت كل شيء وقتلت رجالهم وأيتمت أطفالهم ورملت نساءهم، وتشرد بسببها من تشرد وانتشر الفقر بين الناس والمجاعة وشهدوا بأم أعينهم كيف أن حضارتهم ذهبت مع الريح. وأثناء مشاهدة هذا الفيلم سألني ابني ان كان الشماليين، أو «اليانكيز» كما كان يطلق عليهم الجنوبيون، هم الأشرار في هذه القصة، وقبل الاجابة على هذا السؤال اضطررت لشرح أسباب الحرب الأهلية له وكيف أصر الجنوبيون على عدم المثول لقرار الحكومة الفيدرالية في ذلك الحين الذي يضع نهاية للعبودية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، وبعدها سألته من تعتقد أنهم الأشرار الان؟ فكان جوابه أن من عارض تحرير العبيد هو سبب الحرب وهو المخطئ بلا أدنى شك ولكن الفيلم يظهر اعتداء الشماليين على الجنوبيين ويظهر معاناتهم من هذا الاعتداء وكذلك يظهر معاملة بعض الجنوبيين الحسنة للعبيد، قلت له ان المعاملة الحسنة للعبيد لا تعد بديلا يوازي إعطاءهم الحرية التي يستحقونها، وأما عن معاناة الجنوبيين فقلت له حقا أن أغلب ضحايا الحروب هم من لا ناقة ولا جمل لهم فيها، فلا الجنوبيون في هذه القصة ولا أي انسان اخر يجب أن يعيش هذه المعاناة، وحتى لو كنا نرى فداحة الخطأ الذي وقع فيه الجنوبيون الان هذا لا يعني أنهم يمثلون الشر المطلق.
وهذا بالفعل ما كنت أود أن أبينه لأبنائي وهو أنه لا يوجد حق مطلق ولا باطل مطلق في جميع الحروب التي درسوها في المدرسة ولا يجوز اطلاق الاحكام على كل من ينتمي الى جهة ما لمجرد أن هذه الجهة نراها مخطئة في موضوع معين، لا أريدهم أن يصدقوا البروباغندا بغض النظر عن مصدرها، ولا أريدهم أن يغيبوا العقل ويصدقوا بسطحية وسذاجة كل ما تنقله وسائل الاعلام لهم.
تاريخ النشر 20 يناير 2010