يقول المسؤولون في العادة انهم يريدون "اظهار وجه الكويت الحضاري"، أمعن قليلا في هذه العبارة عزيزي القارئ، كل ما يريدونه هو اظهار وجه حضاري، لا يريدون تحويل البلد الى دولة حضارية.
لا يجرؤون بالتحدث عن أكثر من وجه حضاري ولولا الخجل لقالوا انه قناع حضاري وما تحت القناع فواقع مرير فيه ما فيه من التعصب والتطرف، يهمهم أن يبقى السطح حضاري ولا يريدون النزول الى أعماق التخلف.
وهم بالفعل يعرفون ما يقولون لأنها مهمة مستحيلة،
حتى وان شخصت السلطة أمراض التخلف تبقى عاجزة عن الحل لأنها لا تملك العلاج الناجع لها، فبالاطلاع على تجارب الشعوب تعرف أن تغيير واقع الناس من المستحيلات، قد يكون بيد السلطة اقرار بعض القوانين من أجل مكافحة مظاهر التخلف، وبهذا تكون هذه القوانين الغطاء الحضاري الذي يُخدع به من يراقب الأوضاع من الخارج ولكنه مجرد غشاء نافذ بالنسبة لمن يعيش في الداخل يعرف أنه للمظاهر وللتفاخر فقط، هذا حد ما يأمل به السياسيون في كل مكان وليس في الكويت فقط.
في اسبانيا على سبيل المثال تعتبر مصارعة الثيران من التراث الاسباني الذي لا يريدون التخلي عنه مهما كلف الأمر، ولكن هناك من يراها ظاهرة وحشية غير مقبولة فهي ممارسة لتعذيب حيوان لا يملك لا حول ولا قوة مقابل سهام المصارع الذي يستعرض مهاراته في التعذيب أمام هستيريا الجمهور، بالنسبة لهؤلاء هذه الظاهرة دليل تخلف ويسعون على مدار الساعة من أجل استصدار قانون يجرم هذه الممارسة. لو نجح هؤلاء ومنعوا الناس من ممارستها وأجبروهم على عدم تعذيب الحيوانات بهذه الطريقة، هل سيغير هذا المنع من طبيعة الناس شيء ويجعلها رحيمة بالحيوان، وهل سيجعلهم حضاريين أكثر، برأيي المتواضع لن ينجح هذا التشريع بأكثر من تغطية الواقع بقناع ظاهره حضاري وانساني على الأقل بالنسبة للجيل الحالي الذي تربى وترعرع على هذه العادات والتقاليد. هناك أمل بأن تتغير الأجيال القادمة مع وجود خطة تعليمية وتربوية متكاملة قد تنجح بالتغيير بعض الشيء وقد تفشل بسبب مقاومة عموم الناس لها.
لنترك بلاد الأندلس وما فيها لأهلها ونعود الى الكويت ولنقرأ ما يُكتب في الصحف، ولنرى كيف تقطر العنصرية من أقلام بعض الكتاب، وكيف يحرضون على الكراهية والحقد واثارة المشاعر ضد بعض الجاليات العربية الذين يعيشون بيننا، أحيانا يستغلون حادثة ما يتحمل مسؤوليتها شخص من أبناء هذه الجالية أو تلك ويعمموها على الجميع. والان تعالوا لنقرأ التعليقات على هذه المقالات العنصرية في المواقع الالكتروني ولنرى التأييد والتشجيع من قبل القراء لكل ما هو عنصري وطائفي ومتطرف. وبعد هذه الرحلة ستفقد الأمل بأن يصبح هذا الشعب متحضرا لا في المستقبل القريب ولا البعيد.
أحد القراء الكرام لفت انتباهي الى مقالة لكاتبة لا يضاهيها أحد في الكبر والغرور الا ابليس عندما قال خلقتني من نار وخلقته من طين، هذه الكاتبة محتجة ومعترضة ليس لأن المقيم لم يعاقب على خطئه، هذا اذا سلمنا أنه أخطأ بالفعل، بل محتجة على جرأة المقيم على مواطن كويتي، وبالنسبة لها أن هذه الجرأة جريمة شجعتها الحكومة وسمحت للمقيمين بالتصرف وكأنهم بمستوى المواطنين، بقراءة هذه المقالة والتعليقات التي وردت تحتها جعلت صاحبنا يقول لا فائدة منهم ولا تتعب نفسك معهم، عنصرية الى هذه الدرجة لا علاج لها وبصراحة أعتقد أن معه حق فيما قاله. من الان كل طموحي أن أرى وجه حضاري وليس شعب متحضر. وهذا يعتمد بشكل كبير على جهود سلطة حضارية.