اهتم المفكرون والفلاسفة منذ فجر التاريخ بدراسة العقل البشري في محاولة منهم للكشف عن أسراره.
فطريقة تفكير الانسان محيرة بالفعل، ولكن هناك نظريات وضعها العلماء يمكنها أن تفسر لنا شيئا من سلوكيات الانسان. ومن هذه النظريات
Self-Deception
أو خداع النفس ان صحت الترجمة.
والنظرية باختصار هي أن للعقل القدرة على ايهام نفسه لكي يصدق أمورا غير واقعية واعتبارها موجودة وحقيقية. على سبيل المثال الانسان دائما متحيز لعقيدته أو لقومه فاذا أراد أن يقتنع بأن فلانا على حق أو أن القضية الفلانية عادلة، فعندها سيقول العقل هذه مهمة سهلة وسيبدأ لا شعوريا بعزل وتجاهل كل الحقائق والأسباب المنطقية التي تتعارض مع ما يريد تصديقه، والعكس صحيح فاذا أراد الانسان رفض حقيقة واضحة كوضوح الشمس سيساعده العقل على ذلك، وسيحجب عنه كل الدلائل والبراهين التي تؤدي الى هذه الحقيقة.
هناك من يكذب ومن ثم يصدق كذبته وبعدها يحاول أن يقنع الاخرين بها، ببساطة هي قدرة الانسان على قلب الحقائق من دون تأنيب الضمير.
حسب هذه النظرية كل الجنس البشري معرضون بأن يقعوا ضحية خداع النفس، أقول ضحية لأن خداع النفس لا يخدم الانسان في مسيرته نحو الكمال ومن ثم الفوز بحياة أبدية خالدة.
لكن بعض العلماء بنظرتهم الدنيوية لديهم رأي مختلف عن هذا الموضوع حيث إنهم يعتبرون هذه الخاصية من صالح الانسان فهي تعطيه ميزة لا يمكنه أن يطيق الحياة بدونها. وذلك لأن خداع النفس يجعل الانسان مؤمنا بأن اختياراته صحيحة حتى لو كانت متناقضة والتناقض يقتل الانسان خاصة اذا لم يكن البديل المريح في متناول اليد.
خداع النفس لا علاقة له بمستوى الذكاء، فقد تجد استاذا جامعيا ولكنه يعتنق ديانة مليئة بالخرافات وهو يأسف على حال المخالفين، وتجد عالما عبقريا في مجال ما ولكن عقيدته فاسدة ومع ذلك يحذرك من المصير الذي ينتظرك.
ليس الهدف من هذا المقال هو اعطاء العذر لكل من يتبع الباطل ولا تبريرا لكل من يحاول أن يؤذي الاخرين بسبب عقيدته الفاسدة. بلا شك أن من الواجب حماية المجتمع من هؤلاء، ولكن هل نعلم ان كانوا كلهم مسؤولين عن تصرفاتهم، الله سبحانه وتعالى وحده يعلم سرائر الأنفس. وفي العقيدة الاسلامية الضالون ينقسمون الى قسمين، فاما مقصرين أو قاصرين. لا أحد يعلم ان كان من يخالف الحق يعتبر مقصرا أي مسؤولا عن مخالفته لأنه رأى الحق فخالفه أو قاصرا أي أنه لم ير الحق حتى يتبعه.
خداع النفس لا يخص العقيدة الاساسية فقط ولكن قد يقع فيه الانسان حتى في الامور الهامشية. بمعنى أن الانسان قد يبذل مجهودا كبيرا في القراءة والبحث حتى يطمئن أن عقيدته سليمة، ولكن عندما يتطلب منه أن يأخذ موقفا ما بخصوص قضية سياسية معينة تجده يخطئ بالاختيار ومع ذلك يدافع عن موقفه بشراسة. وكذلك على المستوى الاجتماعي فتجد من يظلم زوجته في الوقت الذي يفكر فيه أنه هو الضحية، وتجد من يقطع صلته بأرحامه ولا يعرف أنه هو المخطئ. وعلى المستوى الشخصي تجد من يصر على أن التدخين لا يضر بصحته أو أن باستطاعته الاقلاع عن التدخين بسهولة متى ما يشاء.
الهدف من هذا المقال هو تحقيق أمرين اثنين، الأول التذكير بأن الارتياح النفسي حتى لو كان جماعيا لقضية معينة ليس دليلا كافيا على أننا على حق، فقد يكون سبب هذا الارتياح أن عقولنا نجحت باخفاء بعض الحقائق عنا. والأمر الثاني هو الدعوة بعدم القسوة على من يخالفنا بالرأي، وذلك لأننا لا نعلم ما هي الظروف التي مر بها الانسان قبل أن يتبنى معتقداته أو مواقفه. قد يقول البعض لا بد من القسوة على مخالفينا حتى نضمن عدم تعديهم على حقوقنا. نعم الدفاع عن الحقوق يجب أن يبقى دائما من الأولويات، ولكن هذا لا يمنع من أن نحاول أن نجر من يخالفنا بالرأي الى طاولة الحوار بدلا من البقاء في حلبة الصراع الى الأبد.
17 comments:
يعطيك العافية اخوي خوش مقال
الاستغناء عن العواطف في الحوار أمر ليس بالسهل
http://3asalee.blogspot.com/2008/08/blog-post.html
أتمنى يعجبك
Self-deception is the process or fact of misleading ourselves to accept as true or valid what is false or invalid. Self-deception, in short, is a way we justify false beliefs to ourselves.
مقال جميل
كالعادة
:)
يعطيك العافية
very nice article!!!
we try to evade being responsible or being wrong be deceiving ourselves.
But to face the truth no mater how harsh it may seem, is so much better I believe than deceiving my self or others!!
If we all stop self-deception thus for the deception of others. We would eventually change our attitudes towards one another and start to accept those who differ and argue with respect.
تسلم على المقالة
:))
الأستاذ صلاح ..
حقاً ، أحياناً أشعر بحالة من التناقض النفسي الذي أمر فناك حالات نمر بها تقودنا إلى الهذيان !
السلام عليكم
مقال جميل ولكن بالواقع العكس تماما , لان اللي حاصل اذا فيه احد يخالفك في الرأي او التوجه او الفكر تلقاه يقلل من مستواك في الطرح وانشوف الغاء الطرف المخالف من الوجود وتحقير مكانته
ولحد الآن البعض عند الخلاف بالرأي تلقاه يزبد و يسب ويتخذك عدو كل هذا لانك خالفته بالرأي
اعلم ان كلامي ليس للتعميم ولكن هذا موجود بينا وقاعدين انعاني منه للأسف
هذه المعلومة تفسر اشياء كثيرة
سبحان الله.. صدق الإمام علي عليه السلام " أتهموا عقولكم فأن من الثقة بها يكون الخطأ".. فعلاً نحن بحاجة لمراجعة عقولنا.. تدري كنت أقرأ هذا الحديث لكنه لم يدر في خلدي أن يكون إيهام النفس أحد مصاديقه..أختيار موفق.. تحياتي
اقتباس:
ManalQ8 said...
Self-deception is the process or fact of misleading ourselves to accept as true or valid what is false or invalid. Self-deception, in short, is a way we justify false beliefs to ourselves.
مقال جميل
كالعادة
:)
انتهى
أكيد مقال جميل, تقدرين تقولين غير جذي :)
أما انا اقدر اقول :)
مقالة جميلة :)
ين
انتي وين
بدا التحرش
:(
حبيبتي كاني
كنت طالعة و ما أدري عن يانغ هو بالدوام
لوول
معلش
:))
يانغ يوز عنها
:))
كل منا يستطيع أن يوجه عقله
كيفما يشاء
سواء بوعيه او لا
اكو بعد
الـ
self-fulfilling prophecy
تشبهه اللي قلته
بس هس اكثر موجهه للمستقب
حين تقنع نفسك بأن شيء ما سحيصل لك
ستجده يحصل لك
هالعقل شي كبير مليان بالاسرار
و الانسان يستطيع ان يسير نفسه
بما يقتنع به من عمل قام به و عمل سيقوم به
موضوع حلو
حلو وايد المقال
عيبني :)
نظرية تجعلنا نعيد التفكير في أمور كثيرة.
ولعلها تساعدنا على تفهم اختلافنا على امور بديهية
تحياتي لك
و هذا هو بالضبط ما يسمى بـ ( العقول المغلقة ) ، هناك نظرية قرأتها قبل مدة طويلة في علم النفس خلاصتها أن الإنسان لو رأى شيئا ناقصا ثم أراد أن يحدث أحدا آخر عنه فسيضيف عليه من الكمالات ، لأن عقله دائما يسهل عليه تذكر الكمالات و يصعب عليه حفظ النقائص
لو رسمت دائرة و تركت جزءا منها دون ان يتصل بما خلفه ، و أريتها لأحدهم ثم غطيتها و طلبت منه ان يرسم الدائرة فسيرسمها كدائرة كاملة
هذا التوهم مرده إلى تحرك العقل بذاته لاكمال الناقص رغم انف صاحبه :)
هناك كلمة لطيفة للإمام علي عليه السلام يقول فيها : أحمق الناس من ظن أنه أعقل الناس
فمجرد " الظن " بكمولية النتائج العقلية عند الشخص ، فهذا يعني حماقته لأنه يعتقد بكمالية شيء هو مجبول على النقائص ، و لكنه يهيء لصاحبه الكمالات
رائعة تلك الكلمات د. صلاح :)
صراحة انا اتفق مع اللي يقول ان السلف دسبشن نعمة
فعلا نعمة، لولاه جان من زمان الواحد ين، ين اقصد صار مينون
على اية حال عزيزي قاعد احاول اتصل عليك جنابكم بس مادري ليش يقول ترانسفرد ؟؟ ممكن تتصل علي؟
وشكرا
عبدالله رمضان
شكرا لكم جميعا
مروركم أسعدني
أعتقد أن موضوع خداع النفس موضوع مهم ويجب على كل انسان أن يعيد حساباته في كل قضية تتعلق بالحق والباطل.
شكرا لكل من أضاف معلومة بالنسبة لي كانت جديدة!
ولكل من قرأ
ولكل من علق
ولكل من تحرش :)
Post a Comment