Wednesday 20 February 2008

تطـــــــــــــــرف

عادة ما تقسم التيارات السياسية الى يسار ويمين، ويسار متطرف ويمين متطرف. على سبيل المثال حزب العمال في بريطانيا يعتبر حزب يساري ولكن لا يمكن اعتباره يساري متطرف، وحزب المحافظين حزب يميني ولا يمكن اعتباره حزب يميني متطرف. وهناك أحزاب متطرفة لليسار ولليمين وخير مثال على تطرف الأحزاب هو الحزب البريطاني الوطني
The British National Party
وهو حزب يميني متطرف.


المسيطر على الحياة السياسية من حزب حاكم وحزب له ثقله في المعارضة كما يعرف الجميع هما العمال والمحافظين وكذلك من الممكن ادخال حزب الديموقراطيين الأحرار في ضمن الأحزاب المعارضة المعتدلة. يتضح من هذه المقدمة أن الاعتدال هو المسيطر على الحياة السياسية في بريطانيا. مصطلحات الاعتدال والوسط والوسطية في هذه المقالة كلها مصطلحات نسبية وليست حقيقية، هناك مواقف تعتبر متطرفة بالنسبة لنا كالموقف من الشذوذ الجنسي والموقف من لبس النقاب من قبل بعض المتدينات المسلمات، ولكنها تعتبر من المواقف التي يتبناها الوسط. اذًاً ما أقصده بالوسطية هي تشابه وتقارب وجهات النظر بين أحزاب الوسط ولا أقصد بالوسطية المفهوم الاسلامي الذي يحث عليه ديننا الحنيف. ومن ملاحظاتي المتواضعة عادة ما تكون الاهتمامات السياسية لدى الناخب الذي يختار من أحزاب الوسط شبه معدومة، وفي المقابل الناخب الذي يختار من الأحزاب المتطرفة له مواقف نسخة طبق الأصل للحزب الذي يؤيده.


على النقيض من ذلك عندنا هنا في الكويت الذي يسيطرعلى الحياة السياسية هم المتطرفون. لا بل أزيد على ذلك أن العقلية المتطرفة هي المسيطرة على الناخب وغير الناخب وأقصد بغير الناخب من هم دون الواحد والعشرين. لا أقصد هنا التطرف الديني، فكما ذكرت في الأعلى أن هناك تطرف يميني وتطرف يساري في بريطاينا وهو تطرف يتمثل بالشتائم والسباب وبالمواقف الحادة التي يتبناها كلا الطرفين لكنه ليس على أساس ديني، وكذلك في الكويت هناك تطرف غير ديني أيضا وهذا بالاضافة الى التطرف الديني الذي لا ينكره أحد. هناك من يبسط المسألة ويقول أن السبب هو أن للناس أكثر من انتماء وولاء، ولاء للمذهب أو للقبيلة أو للعائلة... الخ ولكن أعتقد أن المسألة معقدة أكثر من ذلك.


طبعا وكالعادة يقع اللوم الأكبر على الحكومة لأنها هي اللاعب السياسي الأكبر وهي من قسمت الكويت الى مناطق ودوائر انتخابية وهي من تؤيد مرشحين من خلال فتح باب الواسطة في أيام الانتخابات وهي من تقف ضد مرشحين من خلال تشويه سمعتهم في الصحف التي تتبنى مواقف الحكومة، وهي من يضع المناهج التربوية لتعليم أطفالنا في المدارس وكان بامكانها أن تعمل شيء لحل هذه المشكلة.


ولكن ليست الحكومة المسؤولة الوحيدة عن هذا الوضع، بل بقية الأطراف يشتركون بنسبة أو بأخرى عن هذا التطرف. لا أحد بريء من هذه التهمة، الكل سبب في هذا التطرف، ونرجع الى بريطانيا، هناك حزبين في ايرلندا الشمالية يشتركون في المأساة التي يعيشها الاقليم، قد تكون المسؤولية تقع على طرف 30% وعلى الطرف الاخر 70% أو 50-50 ولكن لا يمكن تبرأة أي من الطرفين بشكل كامل.

أنا أعتقد أن طبيعة الناس أو كما يسميها البعض فطرة الناس الانجذاب الى الوسطية، ولكن هذا الاعتقاد صعب اثباته في الكويت لأن أغلب الناس في الكويت ينجذبون الى هذا الطرف أو ذاك الطرف، أما من يلتزم الوسط والاعتدال فهم أقلية لا تكاد ترى من هم أحد، وخاصة عندما يطرح موضوع خلافي في الساحة.


لماذا اختار البريطانيين، ما عدا ايرلندا الشمالية، الوسطية ولم يختارها الناس هنا في الكويت؟


لماذا يصل الى السلطة عندهم من هو معتدل ولا يصلها المتشدد والمتطرف؟


هل هي العلمانية؟


يعني اذا تحولت الكويت الى دولة علمانية مئة بالمئة سنتحول الى نموذج للوسطية يقتدى به؟


لا أظن! لأني كما قلت أن التطرف ليس بالضرورة تطرف ديني.


هنا أعطي أمثلة لايضاح المعنى


ماذا لو قرر البدوي أو ابن القبيلة أن ينتقل أو يبتعد برأيه عن رأي القبيلة وعن توجهها ليبقى لوحده في الوسط، وماذا لو قرر أن يفعل الشيعي نفس الشيء؟ سيبقى هذين المسكينين لوحدهما في الوسط وسيستضعفهما الناس.


الموجودين في الوسط هم الأقلية في وطني، والأقلية حتى في الدول المتحضرة تعاني ما تعانيه من سلب الحقوق، وأحيانا عدم وجود من يمثلها في البرلمان. وفي قانون الغاب القوي ينال من الضعيف ويفترسه ولا يوجد من يمنعه من ذلك.


لا أريد أن أبرر مواقف المنتمين الى تيارات معينة ولا أريد أن أبرر من يبصم بالعشرة مع كل ما يقال له من قبل القبيلة أو الحزب أو التيار. لكن أرى الحقيقة كالشمس في وضح النهار وهي أن الناس يشعرون بالامان في هذه الانتماءات ومن يعرف هرم ماسلو يعرف أن حاجة الانسان لكي يحصل على الشعور بالأمان تأتي مباشرة بعد أن يسد حاجاته الاساسية مثل الأكل والشرب والنوم والتنفس.


الخلاصة: اذا كان التطرف مذموم في الدول المتحضرة فهو لا بد منه في بلدنا. لا تلوموا الأشخاص فهم يبحثون عن الأمان! فهل ستوفر الدولة لهم هذا الأمان؟

11 comments:

Mohammad Al-Yousifi said...

اتمنى الجيل الجديد يتعلم من احداث اللي قبله و يكون أكثر وسطية

ولو ان الجيل اللي قبل مو راضي يفكنا من تطرفه

غصب يبون يسحبونا معاهم

Misrdream said...

اتمني الخير للعرب جميعا
ان ننزع الخلافات ونبحث بداخلنا عن هذه الوحدة التائهة
.........
اعجبني تحليلك للموقف العالمي

kuwait wishful said...

موضوع جميل يا اخي صلاح ومدونه بدات اعشقها ,مع ان التجربة البريطانية بعيدة كل البعد عن تجربتنا ولا توجد مقارنة منصفة ولكنك اشرت الى نقطة مهمة وهي تقسيم الدوائر كونها من المسببات الرئيسية للتطرف , هل برأيكم ان الاتجاه نحو النظام الجديد بالدوائر الخمسة او الواحدة سوف يكسر شبح التطرف ؟

بو محمد said...

أخوي العزيز الغالي بو صلوح

أحييك على هذا الطرح الموزون و التحليل الموفق للمضمون

أخي، أنا إلى الآن لم أمر بتعريف ثابت لكلمة تطرف، فليست له صورة ثابته كما أرى، مثال، قد أكون أنا مثلا من مشجعي برشلونه مثلا و متمسك برأي يقول بأن لاعبيه هم أفضل اللاعبين على وجه الإطلاق (المثال بسيط و مبتعد عن أي عنصر تأجيج قد يستغله) وهذا خطأ، و لكن استماتتي في الدفاع عن هذه الفكرة مع العلم بأني لست بأحد لاعبين برشلونه و لا من الملاك و لا من أهل الدعاية و الإعلام و لا أي مستفيد آخر توفر لي اشباعا لغرور شخصي داخلي ذاتي، و أمان من العزلة الإجتماعية التي قد أعاني منها، و أكثر الأهواء بهذه الصورة

وأقسم بالله العظيم يا بو صلوح قسما أحاسب عليه إلى يوم الدين بأن الأمان الإجتماعي و المعيشي شبه مفقود لدى الكثيرين في الكويت و السبب هم انهم ممن آثر على نفسه أن يتخذ من الوسطية أو دعنا نقول شمولية الإنتماء منهاجا له، و هذا ثمن باهض لا يقدر على دفعه الا من صبر و شرح ذالك قد تفضلت به كلماتك الطاهرة

تدري يا بو صلوح و الله الذي لا إله إلا هو إني شفت أمور و احداث و قصص لناس سحقت بأم عيني و السبب كان في جميع الأحوال واحد
ما عندهم ظهر يسندهم، لا مخفر يشكيك، و بتلفون تصير انت الغلطان و لا قانون مدني مثل العالم ياخذ لك حقوقك، و لذالك تراني الآن ما أرضى أسمع حرف عن أي واحد أحس إنه وضع في زاوية و لا يمتلك القدرة على الدفاع عن نفسه كائنا من كان ذالك الشخص و لو يكون خمام و الا غسال سيايير و الا طرار واللي جدامه أبوي اللي خلفني و طوايفي كلهم،،
بو صلوح مواضيعك تخلي الواحد يستن و لا يقظب روحه يا خوي و ما أبي أطول عليك و يمكن خرته اشوي و طلعت عن الموضوع بس تكفه لا تلومني صار لي سبوع ما أنام مثل العالم و لا آكل مثل العالم و لا حتى أدرس و اشتغل مثل العالم

و اتركك بحفظ الله و رعايته

M said...

ذكرتني بمقولة دايم يكررها المفكر السياسي الكويتي د. عبد الله النفيسي

(زبدتها إنه)
نحن في طور الإنتقال من نظام القبيلة إلى نظام الدولة

حالياً اللي حاصل إننا لاحنا بنظام القبلية المعروف ولا حنا بنظام دولة مانزال بينهم

وسنضل بينهم لأجيال قادمة إلى أن تصهر جميع الإنتماءات تحت ظل الإنتماء اللي المفروض يكون الأقوى ويطغى على كل إنتماء أصغر منه وهو الإنتماء للدولة القائمة

صعب جداً جداً تقنع شخص إنه يعتمد ثوابت تنفي الإنتماء القبلي في هالوقت

يعني أنا حالياً لولا الإستعانة بقبيلتي أمور كثيرة من أمور حياتي ماراح تمشي وراح أتعطل, والحجة اللي بتلقاها عندي ليه ما أستعين بقبيلتي دام كل واحد يستعين بقبيلته وطائفته وجماعته يعني هل تبوني أنا الوحيد "أكون مثالي" بوقت المثاليات صارت مجرد شعارات

Aldenya said...

إن شاءالله يتوفر الأمان والاستقرار
وحتى الاعتدال والوسطية لهذا الجيل
وللأجيال القادمة

أسلوبك وسردك كان جدا رائع ومفهوم
سلمت اناملك

Salah said...

بوسلمى:

الله يهدي الجميع، لكن مو واضح ان الجيل الجديد بيتعلم أي شي مفيد من الاحداث السابقة.

..................

حلم مصري:

ان شاء الله كل الاماني والاحلام الجميلة تتحقق

والحمدلله ان التحليل المتواضع أعجبك

تسلم

-------------------

كويت ويشفول:

مشكور على الكلام الحلو

وبالنسبة لسؤالك، عندي راي بالموضوع بس مو عارف أكتبه

ان شاء الله بالموضوع القادم

نورتنا

---------------------

بومحمد:

كلامك يملنا مسؤولية كبيرة أتمنى اني أكون قدها،

أثرت نقطة مهمة بالنسبة لنصرة المظلوم، أنا أتمنى ان الناس بس تبتعد عن المشاركة بظلم المظلوم ومو لازم ينصرونة!


بالنسبة لتشجيع الاندية

لا برشلونة ولا مانشستر

ليفربول وبس

:)

ملاحظة: نصحتني بشي يمكن يعتبر بديهي أو واضح بالنسبة لأغلب الناس، لكن كانت أغلى نصيحة واستفدت منها وايد

شكرا

---------------------

الكويتي الفريد:

قلبت المواجع يا عزيزي

الله يعينك ويعين كل الطيبين اللي مثلك

الناس تضحك على اللي عنده مبادئ وتقول مثاليات، الصبر زين والله يأجرك على السعي والنية مو على النتيجة!

-------------------

الدنيا:

شكرا على الكلام الطيب

والله يسمع منج

====================

تحياتي لكم جميعا

شقران said...

العزيز صـلاح
مساك الله بالخير

الموضوع رائع وشيق وفيه ملاحظات

مبدئيا اتفق معك لأني واجهة نفس المثال الذي ضربته عن البدوي عندما يحاول الخروج على توجه القبيلة

فعلى المستوى الشخصي حاربت ومازلت الانتخابات الفرعية
فتوالت الهجمات من الجهة المستفيدة من هذه الفرعيات

أما باقي الناس فيقولون أأتني بالبديل
فهم يقولون أن حقوقنا لا ناخذها إلآ عبر هؤلاء

تخيل أن تكون حقوق المواطن رهن زمرة مستفيدة من الفرعيات وبرعاية الحكومة مع الأسف وبعض المتنفذين!!؟؟

أما عن الطبقة السياسية الموجودة في الكويت فأنت وأنا ناقشنا هذا الموضوع سابقا في موضوع
النخب الفكرية وأزمة الطبقة السياسية على مدار ثلاث أجزاء

كما إني قد ذكرت في أكثر من مدونة بأنه لاتوجد ليبرالية في الكويت..فما هم سوى يمين متطرف كجان ماري لوبان

والاسلاميين استغلوا القبيلة والقبيلة استغلت الاسلاميين
وهكذا دواليك دواليك

والحكم والحكومة ربطت حقوق المواطنين بهذه المعادلات
القبلية والمذهبية حتى تسهل عملية المساومة السياسية

في الوقت الحالي لا ألوم المواطن العادي

ولكن الوم أشد اللوم النخب الفكرية والطبقة المثقفة على عدم تحركها ضد هذا الأمر

تأكد يابوصلوح
بان الدول تتصدع بهكذا ممارسات
فولاء المواطن حينما يكون لقبيلة او مذهب أو تجمع يأخذ له حقه من الدولة

فعندها سلملي على العدالة الاجتماعية ومبدأ تكافؤ الفرص!!!!؟؟؟

وسلم عليهم أشد السلام
لأن خبري فيهم في أمهات الكتب ولم أراهم منذ أن نشأت الدولة الكويتية الحديثة..ألآ وهي دولة الدستور!!؟؟

وبالمره أيضا سلملي على الدستور وقوله نقلا عني
الله يعينك على كل مدعي يصدح لك نهارا

ويهتك اساترك ليلا

والله من وراء القصد


بالختام
اتفق معك كثيرا..وكثيرا جدا

وارهبني جدا سؤالك الأخير

نعم ارهبني..لأن الدولة الى لحظة كتابة هذه السطور لم تفكر في هذا الأمر


ولك أجمل تحية عطرة

المحــــــــــب/

شــقـــــران

شقران said...

تعديل
يهتك استارك ليلا

شقران said...

تعديل
يهتك استارك ليلا

Anonymous said...

زميلي العزيز صلاح

تحية لك

أتفق تماماً في الشق الذي يبحث عن الجواب في صف أفراد الشعب. نعم، هناك إستعداد يقترب من حد الشذوذ في تبني التطرف في ردود الأفعال على أساس عرقي وطائفي. بل في الحقيقة يتعداد إلى الخيارات السياسية والمواقف الإجتماعية. هذه القابلية للإنقسام على الذات تحت شعارات عرقية وطائفية هي ما يميز مجتمعات الساحل الشرقي للجزيرة العربية لسبب أو لآخر. الخطورة هنا هي أن هذه القابلية تهدد المجتمع وديمومته على المستوى البعيد ويجب الإلتفات الى أسبابه والحلول الناجعة بأسرع وقت.

لك التحية
فرناس